إن من أعظم النعم التي منّ الله بها علينا هي نعمة الإسلام التي لا تعدلها نعمة أخرى مهما كبرت، فبالإسلام أخرج الله عز وجل هذه الأمة من ظلمات الجهل والتيه إلى أنوار العلم والهداية، وبالإسلام أصبح لنا مكان بين الأمم بعد أن كنا أمة لا يؤبه لها بين شعوب الأرض.
وقد أدرك المسلمون الأوائل هذه الحقيقة جيداً، وعبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك بقوله: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وعرفوا أن كينونتهم مرتبطة بهذا الدين وأنهم بدون هذا الدين عبارة عن مجموعة من الأصفار التي مهما كثرت فلن تكون لها قيمة تذكر.
وقد حمل المسلمون الأوائل هَمَّ هذا الدين وقدموه على كل شيء في حياتهم وضحوا في سبيل رفعته وإعلاء شأنه بكل غالٍ ونفيس، فأنفقوا أموالهم وبذلوا نفوسهم رخيصة من أجل هذا الدين.
تقرأ سير الصحابة فتجد العجب العجاب وتصاب بالدهشة عندما تجد أن الواحد منهم لم يكن ينسى أمر هذا الدين حتى وهو يحتضر على فراش الموت.
خرج المثنى بن حارثة الشيباني أمير جيوش العراق قاصداً المدينة لما أبطأ عليه أمر الصديق رضي الله عنه فوجده مريضاً يحتضر، إستدعى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له: إني لأرجو أن أموت من يومي هذا، فإن مت فلا تمشين حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلكم مصيبة عن أمر دينكم ووصية ربكم، فقد رأيتني وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أصيب الخلق بمثله، وإذا فتح الله على أهل الشام فأردد أهل العراق إلى عراقهم، فإنهم أهله وولاة أمره وأهل الجرأة عليه.
إن أبا بكر رضي الله عنه كان يحمل هم هذا الدين وهو يحتضر ولم تمنعه حتى سكرات الموت عن العمل لهذا الدين، فها هو يصدر أمراً مشدداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بألا يدع المسلمين ينشغلون بمصيبة موته فيقصرون في أمر الجهاد في سبيل الله، ويذكره بمبدأ كثيراً ما ينساه الناس وهو أن هذا أمر الدين أعظم من أي شخص مهما كانت مكانته، وأن هذا الدين لا يرتبط بالأشخاص مهما كانوا، وهذا ما أشار إليه الصديق رضي الله عنه بقوله: فقد رأيتني وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أصيب الخلق بمثله، لقد جزع الناس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وظن كثيرون ممن لم يستقر الإيمان في قلوبهم أن أمر هذا الدين قد إنتهى بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو بطل الموقف ووقف بين الناس كالجبل الشامخ وهو يقول: من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وتلا عليهم قول الله عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
وفهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا الدرس الرائع من الصديق رضي الله عنه فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحب إليهم من أنفسهم قدم الصحابة مصير الأمة على دفنه عليه الصلاة والسلام، وإجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ليبحثوا أمر الخلافة ويجمعوا أمر الناس على خليفة يرعى شئون الناس ويقوم بأمر هذا الدين ويذود عن حياضه.
إن القيام بأمر الدين والعمل على رفعته ينبغي أن يكون الهم الأول في حياة المسلم ولا ينبغي أن يشغله أمر من الأمور مهما عظم عن القيام بواجبه في نصرة هذا الدين {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].
وتعظم المسئوليات وتزيد التبعات على المسلم في الأوقات العصيبة التي يتعرض فيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للإضطهاد وتُحتل أرضهم وتُنهب خيراتهم، ففي هذه الأوقات بالذات لا عذر لقاعد والله رقيب والتاريخ شاهد.
الكاتب: جهلان إسماعيل.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.